الجمعة، 14 سبتمبر 2012

الميسر حضارتنا

شهدت في الحرم المكي شبانا يحملون على أكتافهم المسنين من آبائهم و أمهاتهم ، يطوفون بهم البيت العتيق وسط الزحام . و يوم النار العظيمة التي اندلعت عقب قصف الطيران حي الميسر ، كان هناك رجل سبعيني مشرق الرأس و اللحية يركض في كل اتجاه ، ليطفئ السعير بسطله الصغير ! حدث هذا في 3 / 9 / 2012 م .. صورتان واقعيتان من منهلنا

كرم الميسر - بتشديد السين و هي كنية عائلية - قالت عنه جريدة الجماهير الرسمية عدد 12 / 6 / 2008 م أنه حي شعبي مهمل بلا مستوصف ولا هواتف ولا شرطة فيه ، تغمر شوارعه المياه الآسنة ، و مساحة مقر المختار فيه هي متر مربع واحد ، و بالتالي فإن أهله سيكتبون للمسؤولين !! لكن حي ( الميسر ) قرر أن لا يكتب الخواء و أن لا يثرثر ، و سكانه الخمسين ألفا لم يذهلهم هدير الحوامات و حمم الحكومة الوريثة ، و راحوا يتطلعون للسماء : يا الله ما لنا غيرك يا الله .. حزموا أمرهم و أقسموا على انتزاع ديونهم دفعة واحدة ، فإما حياة تسر الصديق و إما ممات يغيظ العدا / و نفس الشريف لها غايتان ورود المنايا و نيل المنى


تاريخ الميسر كروم التين و الزيتون و الفستق الأخضر المشوب بالحمرة ، كان في جوفه 17 كرما لا غير ، و حواليه كرم القاطرجي و كرم حومد و كرم الجزماتي ، و هو يمثل باترينة حلب و ثغرها الوضاح في جنوبي شرقها . الزحف العمراني غطى بهي الكروم ، لكنه لم يغطي ينابيع قصص المقهورين .. تفجرت ثورته مع بدايات ثورة 15 / 3 / 2011 م فردوا عليه بإطلاق ( شبيحة الحراسة ) تنهش لحمه و قلبه ، استمر فأطلقوا عليه براميل البارود كيفما اتفق . استخرج جثامين 13 طفلا من تحت الأنقاض بعد الفطر بأسبوعين ، و لم يستسلم .. ودع الكثير من صغاره ، الطفلة الشهيدة راما حجو - 8 سنوات - والطفلة عائشة حجو والطفل مصطفى حجو والطفلة فضيلة حجو ، الطفل أحمد العلاف و الطفل محمد العلوش و الطفل إبراهيم الخلف ، و عشرات عشرات الأطفال والشهداء . لم يعرفوا أن مدد الميسر ملائكة ينافحون عنه ، و أنه شريك لا يتجزأ من ثورة كل سورية على العربدة و الرعب


نعم ، ذلك السطل الصغير سيطفئ نارهم ، و شلالات الدم الطاهر البريء ستغرق كيدهم ، و نحيب الأمهات طبول الانتصار الساحق المقترب
كرم الميسر ، فضح سراق علي و الحسين و الحجر الأسود و كذبة الممانعة ، و سجل بحروف النور بطولات بنيه و سمو حضارته الحسناء التي لم يغلها .. المهر

هو حضارتنا التي تستيقظ ، تلوح بسيرته رسالة الحرية و إنسانية الإنسان ، و توحش الأسد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق