السبت، 29 سبتمبر 2012

الجديدة .. و الفرن

زعم عدنان عمران ، زعم الفرزدق أن سيقتل مربعا .. أبشر بطول سلامة يا مربع

تماس ( حي الجديدة ) يفتح على مصراعيها ، سيرة لم تنطو بعد ، سيما قصة الفرن في حارة الألمجي . الشاب الشجاع ( عبد الغني بكار ) كطلة القمر ، نشأ و ترعرع في ( حلب ) مسكونا بروح التمرد و الفدائية وهو ابن العطر و النعم ، رفض الانضمام لكورس الببغاوات و اشتاق الحرية فاشتاقته الشهادة ، آثرها على حياته و عروسه الحسناء التي تنتظر ! انضم أولا لكتائب ( فتح ) في لبنان ، وأثناء التجنيد الإلزامي أعلن انشقاقه طواعية عن الجيش السوري


في يوم 3 / 7 / 1980 م لاحقته دورية أمنية ، فانسحب متواريا إلى ( الجديدة ) لكنهم استنفروا ( أبطالهم ) لاعتقال هذا المطلوب الخطير ، و لما ضيقوا عليه الخناق وجد أمامه أحد الأفران المفتوحة فدخله سريعا ، دخلوا يخورون خلفه كالوحوش .. لم يجد ما يلوذ به إلا شيئا استثنائيا ، أن يرمي بنفسه في بيت النار الملتهب ، ففعل - مجتهدا - مدافعا عن ذاته و قيمه و إنسانيته أن تمس ، آثر ذلك ولا أن يؤسر فيقتلوه كل يوم مائة مرة ، أو يقطعوه إربا إربا مثلما فعلوا بالدكتور الجراح مصطفى عبود . غفر الله له و لمحمد بوعزيزي و تقبلهما في الشهداء 


الشيء بالشيء يذكر ، الشهيد محمد عبد الحميد من إدلب الخضراء مواليد 1980 م ، كان في بيته فتتبعته دورية لاعتقاله ، صعد لسطح المبنى محاولا أن يفلت منهم . رأى أمامه خزان الماء فرمى بنفسه داخله ، لكنهم حاصروه و أغرقوه فيه ، أمام عيون أطفاله .. حدث هذا في 10 / 8 / 2012م بحسب المرصد السوري


منطقة الجديدة من أعرق الأحياء الحلبية ، تأسست في القرن الخامس عشر الميلادي ، تمتاز بأزقتها المتوازية و حاراتها المغلقة ، تقع على الشمال من حي الفرافرة و باب النصر ، و هي على الشرق من التلل و العزيزية و .. غربي ميسلون و أغير . اشتهرت بالفوال الحاج عبدوا ، و حلويات مهروسة ، و المطاعم العربية المستحدثة . و كذلك بجوامعها و مصلياتها و كنائسها ( مار الياس و السيدة ) و حماماتها و عمارتها الإسلامية المشعة


اشترى لي أخي فخر الدين - رحمه الله - من الجديدة ، 4 أصواص جميلة ، صنعت لهم قنا ضد القطط في جنينة بيتنا ، و تعلقت بهم كثيرا . عاش منهم 2 و كبرا حتى أزعجا والداي ، فوافقت في لحظة ضعف على ذبحهما .. حزنت كثيرا كثيرا بعدها ، سألت أحد مشايخ جامع العثمانية عن مآل أرواح الحيوانات بعد ذبحها ؟ أجابني مبتسما و متعجبا


تماس ( حي الجديدة ) الشهيد الذي أحرق نفسه في الفرن ، الشهيد محمد مكية ، الشهيد المجهول ، الشهيد المجهول ، الشهيد المجهول .. و كل شهيد مجهول هو عند الله معلوم

الخميس، 27 سبتمبر 2012

أبواب النصر !!


سنة 1885 م بدأ العثمانيون شق ( جادة الخندق ) فهدم بسببها أحد الأبواب الثلاثة لباب النصر ، رغم هذا بقي تاريخه و تواترت ذكرياته ! الملك الظاهر غازي ( ابن صلاح الدين الأيوبي ) بناه أو رممه في أقصى الشمال من قلعة حلب ، و سماه باب النصر .. هو مدخل القيسارية - كلمة أعجمية تعني السوق - الممتدة حتى شارع السجن و أحياء الخابية و الفرافرة و كذلك المدرسة العثمانية ( أنشئت 1143 ه ) . تشاهد فيه مبيعات الجلود و الغزل و الكعك الشهي ، و .. أيضا جامع المهمندار( أو جامع القاضي ) الذي بناه آية في العمارة الجميلة أواسط القرن السابع الهجري ( حسن بن مهمندار ) و نقش على أحد أحجاره : ملعون بن ملعون من يتعاطى التصوير قرب المسجد !! ( أصيبت مئذنته بالقصف في 8 / 8 / 2012 م ) و على مسافة أمتار منه منزل الوزير نظام الملك الطغرائي


ما رأيته في ( باب النصر ) السقف المرتفع أمام البوابة ، و الذي يرمز لهمة رفعت أمة . و بالجوار مبنى المخفر القديم العريق ، و الذي أقيمت بقربه أول دار للدعوة الإسلامية ( دار الأرقم ) ، و أخبار حكاها لي ابن عمي ( بدر ) الذي أخذني ذات عيد إلى سينما السعد هناك ، و كانت أول مرة في حياتي .. و لا أنسى المكتبات الكثيرة ، منها مكتبة النصار للشيخ عبد المجيد نصار شياح و إخوته ( صاحب التقاويم و عدو التدخين رقم واحد ) و مكتبة الأستاذ سميح دعاس ( وكيل مجلة حضارة الإسلام ) ، وفي المواسم المدرسية مشهد استبدال و بيع الكتب المستعملة . و يشير بعض المدونين لمقبرة اليهود خارج الباب ، لكن على بعد 100 متر شمالا يقع جامع ( الزكي ) الأثري ، بناه علي الزيني في 700 ه وجدده محمد الزكي أحد مشايخ الطرق الصوفية ، إمامه الأشهر الشيخ الصالح المحقق ( محمد الحجار ) والد الشهداء صفوح و أسامة و يمان ، و الذي توفي مهاجرا في المدينة المنورة سنة 1428 ه


إلى الشرق من باب النصر منزل الشهيد الشهم صديق شعبان ، و موقعة 19 / 8 / 1979 م التي استشهد فيها 5 من شباب الحركة الإسلامية ، منهم عصام قدسي و همام الشامي و ياسر غنام ، طاردوهم و اتهموهم بالتطرف ظلما و زورا ( وقتها احتلوا بيوت الملاحقين لأسابيع و كانوا يعتاشون مع أسرهم وقاحة و بصبصة ) وفي داخل الباب استشهد الشاب محمود بن الحاج عبد الباسط بكار
ليس مستغربا اسم ( باب النصر ) في أخبار حلب ، لأنه ببساطة ( أبواب ) النصر و العزة ، عزة التاريخ و تاريخ العزة 


اللهم ارحم الشهداء أنس جركس و محمود نوار و وليد عروق ، وكل شهداء باب النصر و سورية التي تنتفض
و احفظ - يا رب - هذا الأثر العظيم من بطش الأسد و شبيحته و ( حرسه الثوري ) و براميل باروده

الثلاثاء، 25 سبتمبر 2012

جامعة حلب

الله ، هي أكبر من جامعة الثورة .. إنها جامعة الشرف و الربيع المقتحم ، جامعة الوعد و الجبين العالي ، جامعة أهل الراية و تأويل الرؤيا ، جامعة التغيير و صناعة الحياة و جامعة الشهادة و الشهداء ! الشهداء محمود غزال و إبراهيم السكر و زياد عمرو و محمد الحافظ و أنس سمو و هشام خانجي و محمود قريوي و علاء ملحم و أحمد محبك و ماهر غزاوي و ماهر علي و محمد الحاج علي و أيمن سليمان و حذيفة الخطيب ، و سامر قواس ( أحد الذين رموهم عنوة من الطابق الخامس ) و عشرات من كليات الطب و الهندسة و العلوم و الآداب و الحاسوب . أحرار كأوراق الورد الأحمر المخضب بدمائهم الطهور ، استعذبوا ذرى المجد و سكنتهم روح الاحتجاج ، فاستلهموا بطولات أجدادهم . أبوا أن يروا شعبهم مرصودا للمذابح و لعق العرق ، و كفروا بلعلعة الخطب الجوفاء و أبدية فرعون و قارون و الحزب القائد .. هم قرص الشمس و العسل ، أفديهم بروحي و ما ملكت يداي

الشباب في جامعة حلب يعيد صياغة الأشياء و المفاهيم والأطر الاجتماعية و المؤسساتية ، حتى انتزاع حقوقه و مستقبله ، حتى تبديد منظومة الفساد و كوابيس الرعب . مراسيم المعرفة و التعارف مع الصوت و الحرية ، وقعتها الجامعة منذ الثمانينيات ( آنذاك كان رئيسها البعثي علي حورية ) كثير من طلابها و أساتذتها ذهبوا شهداء ، د . عبد الرزاق عرعور ، و د . أدهم سفاف ، و د . نذير زرنجي - الذي أعرفه تماما - و د . حسن محمد حسين .. و يبقى لها أخطر منعطف في واقع أسرتنا الصغيرة ، عند اعتقال أخي الكبير ( سليم ) من قاعة الاختبار في كلية الهندسة المدنية بتاريخ 11 / 6 / 1979 م


جامعة حلب 25 كلية و 12 معهد و 6 مشافي عامة ، الثانية بعد جامعة دمشق ( الجامعة السورية سابقا ) فيها قرابة 90 ألف طالب ، تعود أولى كلياتها لعام 1946 م وهي احتفلت باليوبيل الذهبي في 2008 م . لها برامج تعاون علمي مع عشرات الجامعات ، و أول رئيس لها د . توفيق المنجد .. و في الثورة الحالية تم تعيين د . عابد يكن - نجل الداعية الشهيد أمين يكن - رئيسا صوريا لها ، قبل أن يتوارى في إحدى البلدان الأوربية و يتسلم منصبه الدكتور منير الحامض ، المغترب السابق في السعودية


تمر العهود وما تزال أبية بلغتها العربية البديلة ، و ما تزال ركن حلب الركين من طرف الشمال - الغربي ، رأيت نموها المتدرج عندما كنت أرافق أبي رحمه الله ، نقطع الطريق لخطبة الشيخ طاهر خير الله في جامع الروضة من بيتنا في سيف الدولة ، نمشي بمحاذاة مستشفى الجامعة ( تأسست 1974 م ) . مبنى كلية الحقوق الذي يشبه السفينة ، عبقرية هندسية لافتة ، دخلته مرة لأستطلع قاعاته الرحيبة

صوت .. الصالحين

الله ، سورية ، حرية و بس .. اضربونا فقط بالرصاص المطاطي ، كما تفعل إسرائيل .. الإعلام السوري كاذب .. أعطني حريتي ، أطلق يديا ! الصالحون من حي الصالحين ، هتفوا بهذه و مثيلاتها .. فالويل و الثبور- إذن - و عظائم الأمور
يقع حي الصالحين جنوب حلب جنوب حي القصيلة ، يجاوره شرقا حي المرجة ، و غربا باب المقام و الفردوس . اشتهرت فيه ( مقبرة الصالحين ) التاريخية ، أو الغرباء أو الشيخ جاكير أو إبراهيم الخليل ( لأثر منه ) ، تضم من السابقين رفات العلامة الكاساني والإمام القاشاني و البلخي الأصولي و العيوفي الصوفي و غيره ، و تضم من المتأخرين و المعاصرين الشيخ محمد سعيد الإدلبي 1871 - 1951 م ، و الشيخ الأزهري محمد جميل عقاد 1893 - 1968 م ( والد الأخ المهندس الإعلامي سداد ) ، و الشيخ محمد أبو الخير زين العابدين 1916 - 1973 م .. و كذلك العلامة الموسوعي خير الدين الأسدي 1900 - 1971 م ، و الرسام التشكيلي الشهير لؤي كيالي ، و الشاعر العبقري عمر أبو ريشة 1910 - 1990 م ( صاحب القصيدة الرائعة : أمتي هل لك بين الأمم / منبر للسيف أو للقلم ؟ ) و أيضا أعلام و نبلاء و زهاد


على إحدى زوايا المقبرة تجتمع النسوة لطبخ ( المغمومة ) وهي من أكلات الشتاء و عاداته ، و قد زرتها مرة وحيدة بصحبة أخوالي و والدتي ، قرأنا الفاتحة عند قبر خالتهم الكبرى علية إدلبي رحمها الله - وهي زوجة المؤذن سابقا صباح أبو قوس و المغني لاحقا صباح فخري - و رغم امتداد المقبرة رأينا كيف عاقبوا أهل الصالحين بمنع دفن شهدائهم فيها ، بل و منع سحب جثامينهم من الشوارع . الشبان الأربعة الذين استشهدوا في 20 / 8 / 2012 م ، و عشرات المصابين من آل عقاد و الصالح في 13 / 9 / 2012 م ، و الشهداء محمد كعكة و فارس عذاب و زكريا جوخدار و علاء قطان و حمزة البكاري و فراس صباغ و حسن الشاغل و خالد ديموك و حسن برهوم - 10 سنين - ، و القصف المدفعي و الجوي لم يفت في عضد الصالحين و مدنييه و صناعييه و ساحاته و أحيائه و أمواته ، فالثورة هنا هي خلاص الروح .. لابداية ولا نهاية لها


جامع الصالحين و جامع عمر و جامع عبد القادر الجيلاني ( الكيلاني ) و كل الزوايا العتيقة باقية ولو هدموا أحجارها ، جامع الصالحين اعتدوا عليه أصلا عام الثمانين ، لكنه ظل يجهر بالنداء الخالد و لم يصمت ! رأيت فيلما في 12 / رمضان / 1433 ه عن مخفر الصالحين ، وضعوا مكبرات الصوت أمامه و ظلوا يناشدون رئيسه العميد علي نصر ، أن يحقن الدماء و يلتحق بالجيش الحر ، كان يرد على ذلك بالمزيد من الضرب و اللهب

حي الصالحين اليوم صوت الصمود و صمود الصوت .. سورية كلها اليوم أسطورة الصمود

السبت، 22 سبتمبر 2012

طريق الباب


انتشرت البيوت بكثرة على الطريق القديمة للباب و المؤدية للمطار الدولي ( بلدة الباب درة الريف الحلبي ، تبعد عن المدينة 36 كيلا من الشرق الشمالي ، افتتحها الصحابي حبيب بن مسلمة الفهري سنة 16 ه ) فتجاوزت تلك البيوت و الأبنية ، كروما و قرى كانت ( مثل قرية النقارين ) و .. ليكون حي طريق الباب ، عنوان الخبر و شيفرة المشكلة و الحل


شباب سورية في هذا الحي ولدتهم أمهاتهم أحرارا ، نزلوا للشارع و الساحات يهتفون سلما لا عنفا ( تؤكد ذلك عشرات اليوتيوبات ) فطوردوا من السفهاء و الصعاليك ، الذين استفزوا لديهم جل بدهيات الغيرة و الشيم . و مع استشهاد ياسر هباش في 8 / 6 / 2012 م ارتفع منسوب التوتر ، بلغ ذروته في 7 / 8 / 2012 م عندما سحل باص الأمن أحد الأطفال الصغار . و كعادة النظام البطاش بادر للرد بأقسى ما يكون ، قصف مركز من دبابات مدرسة المدفعية كيفما اتفق ( قبل أن يكون هناك مسلح واحد ) فهل يقبل الضيم أحد ؟؟


شبت النيران في أجنحة الحي ، و راحت القذائف تنهال على مساكن الشباب و دوار الحلوانية و المركز الطبي ، و المساجد و المدارس و المزارع ، كما في 6 / 8 و 7 / 8 / 2012 م .. تفتقت قريحة النظام البطاش أن طريق الباب مع طريق الباب ، مجازر في مجازر ! كانت المجزرة الأولى بتاريخ 31 / 7 / 2012 م ، و لحقتها مجزرة الأطفال في 10 / 8 / 2012 م ، ثم التدمير المستدام من 14 / 8 إلى 26 / 8 / 2012 م ، و حتى اليوم


قتلوا كل عائلة دشان ( أبو حميد و زوجته الحامل و أطفالهما الأربعة ) قرب جامع النووي في 12 / 9 / 2012 م ، كذلك أبادوا بالجملة من عوائل الحايك و كميان و النجار و كوير ( 4 أطفال و أمهم و جدهم من عائلة كوير قضوا ببرميل بارود في 13 / 9 / 2012 م ) رحمهم الله


الكوميديا السوداء و شهوة الحقد ليسا بترياق الدولة الفطنة ، و هذه الدموية المجانية سترتد عنادا و إرصادا و صولات و جولات . قبل اندلاع ثورة 15 / 3 / 2011 م بذلنا كل المستطاع من أجل تنفيذ وعد واحد من أكاذيب مسيلمة الأسد ، تبين لنا أننا كنا نعيش أحلام اليقظة


مارد طريق الباب ، يرحب بالأخضر الإبراهيمي ، و يقول له : شكر الله سعيكم ، لقد مات الأسد إلى الأبد ! . نقطة أول السطر

سليمان الحلبي


أدخل حي ( سليمان الحلبي ) ببطاقة ذكرى فستق العبيد في المنشية القديمة ، بعض الأفارقة الوافدين كانوا يضعونه في منخل مرتفع على موقد بطيء ، فتشتري بأجزاء من الليرة كثيرا من الفستق الساخن .. رأيتهم يبسطونه تماما بجوارموقف باص سليمان الحلبي ، من جهة الصيدلية العمالية


سليمان ونس ، ولد في البياضة ( باب الحديد ) سنة 1777 م ، ذهب للدراسة في الأزهر الشريف و كان شاهد عيان على الحملة الفرنسية 1798 - 1801 م . تفجرت داخله نخوة الإسلام و مكارم العربية ، دخل مقر القيادة العسكرية في الأزبكية على شكل رجل شحاذ ، و اغتال بخنجره ( الجنرال كليبر) وأرداه قتيلا في 1800 م . تزلزلت فرنسا لتصفية القائد الأشهر ، و شكلت محكمة ( حضارية ! ) قضت بحرق اليد اليمنى للبطل سليمان ، و من ثم قتله على الخازوق علانية في ساحة تل العقارب .. لم يشف غليلهم ذلك و تركوه تأكل الغربان من لحمه الطاهر ، و بعدها حملوا رفاته معهم إلى باريس ليعرض هناك في متحف الإنسان ، عبرة من استعمار
في جلسة مجلس الأمن الدولي يوم 31 / 9 / 2012 م تحدث السفير الفرنسي عن الوثيقة الرسمية في وزارة خارجيتهم رقم 3547 وتاريخ 15 / 6 / 1936 م ، والتي يتوسل فيها الأسد الجد لرئيس الحكومة الفرنسية ليون بلوم ، عدم الجلاء عن سورية وأن يبقوا محتلين لها


الأسد الحفيد ( يثأر ) من سليمان الحلبي و حيه الثائر ، يقصفه بالمدفعية الثقيلة و براميل البارود من الطائرات ، همه أن يعيد قتل سليمان الحلبي الحي بأي شكل و صورة . قتل فيه الصحفية اليابانية الشاهدة ( ميكا ياما موتو ) يوم 20 / 8 / 2012 م ، ثم قتل فيه المراسل التركي يوم 22 / 8 / 2012 م ، ثم اعتقل الصحفي الفلسطيني دون أن تسعفه محاولاته منع الشمس بإصبعه ! دماء عبد الحميد حمامي و عبد الجبار كوسا و عدي الخليل و عمر الأبرش و سلمان أبو فياض و أحمد إدلبي و إسماعيل الأشرم ، و المئات من الشهداء و المصابين و الخراب الممنهج كل يوم ، لن ترضي الغرب عن الحفيد و سيخذله ثانية مثلما فعل مع الجد


التفاصيل أن حي سليمان الحلبي وسط شرق حلب ، ما بين الميدان و العرقوب و مابين القديم و الجديد ، و أن مظاهراته كانت تخرج من ثانوية التوتنجي و من جامع الحجار و من جامع القرآن ، و أن مئات أبنائه اعتقلوا و منهم فتاة مقهورة قاهرة في 21 / 5 .. أما العناوين فهي 3 حروف بالفصحى في جملة مفيدة : سليمان الحلبي و حيه و كل من لاذ و يلوذ به ( بطل ) و في التاريخ تفسير و تبرير و برهان

الاثنين، 17 سبتمبر 2012

كلنا ميسلون !

كتب أديب العربية و سورية الأستاذ علي الطنطاوي في ذكرياته عن معركة ميسلون 35 مرة و عن يوسف بك العظمة 3 مرات ، ففي سنة 1920 م تصدى 3000 مقاتل لأكثر من 9000 فرنسي زاحف من انتصاره لاحتلال الشآم بقيادة الجنرال غوابيه ، تلك المواجهة الشريفة في مرتفعات ميسلون على طريق بيروت ، أسفرت عن دخول كبيرهم هنري غورو دمشق و رفسه لقبر صلاح الدين !! أبطال الوطن خسرتهم المعركة و ربحهم الوطن

ميسلون حلب أيضا نقطة مضيئة في تاريخنا الحديث ، إنها حي صغير على مرتفعات صفوانية تمزج بالضرورة مابين سطوع الكلمة و علاء الهمة ، تقع وسط الوريد الممتد من الجابرية شمالا إلى باب الحديد جنوبا . مكتباتها التي أحفظها كأنها الشامات على خد الخيل ، و معهدها المهني معلم و منار يسطر مع تدريبه الطلاب تواشيح التمرد .. أول احتكاك مع حافظ الأسد كان من هنا إبان أحداث الدستور 1973 م ، خرجت من جامع ميسلون مظاهرات استنكرت الإكراه و الكراهية ، قمعها الأب الديكتاتور ببسطاره . العشرات وقتئذ قضوا سنين في سجونه ، كان منهم المفكر الإسلامي سعيد حوى و الأستاذ جودت سعيد و الأستاذ عادل فارس و د . خالص جلبي و د . فاروق البطل و الشاعر عبد الله عيسى السلامة و الباحث محمد نور سويد و آخرون من كل المناطق ، و كأن كل دستور يقدمه هذا النظام ( دستور من خاطرك ) سيأكله الحمار كما في مسرحية محمد الماغوط


حواري الحي جامع أسامة بن زيد في أغير ، خطيبه المعروف الشيخ محمد أديب حسون ( سمعت من الأستاذ عطاء الله أن الشيخ أديب قال له : يظن البعث أن باستطاعته محو الإسلام ، لو استطاع ذلك أحد لكان كمال أتاتورك ) . سنة 1980 م امتطت ميسلون صهوة الثورة ثانية ، و افتقدت الكثير من الشهداء : عمر مداراتي و مصطفى مداراتي ومصطفى قصار و خلدون مؤيد و بكري فتى نحاس و من آل المؤذن و سواهم ، اشتعلت ميسلون و استنفرت و تحدت القوة الغاشمة التي لم تأسر روحها ، و لن تستطيع

الآهات الحارة اختلط حسيسها مع أوار الحدث و حرارة الدم ، يوم مجزرة العيد 21 / 8 / 2012 م ، تناثرت الجثث قبالة مخبز أغير كما تناثرت ذات مرة تحت سنابك الفرنساوية ، مع أن أولئك لم يقتلوا النساء ، أما هؤلاء فقد قتلوا الشهيدة فاتن محلاياتي و الشهيدة أماني زقو والشهيد عبادة الشامي و الشهيد يونس إدلبي و الشهيد حسن قمار و شهداء من آل أومري و جعرور و رشيد و قطان و زهيراتي و الأخرس و قاسمو و الحاج عدنان و عز الدين ، و .. مالا ندري


لأن ( ميسلون ) هي الحرية .. كلنا ميسلون

السبت، 15 سبتمبر 2012

الإسماعيلية .. و العبور

زودني صديقي عبد العليم خياطة ، بأسماء كوكبة من شهداء ( حي الإسماعيلية ) في الثمانين ، بدايتهم الشهيد عمر سالم - الذي قتلوه حرقا - و الشهيد عمر ناصر آغا ، و الشهيد نصر الدين ناصر ، و الشهيد حسن كرمو ، و الشهيد سهيل جزماتي ، و الشهيد صفوح حلاج ، و الشهيد أحمد حاووط - اغتالوه بجانب المخبز - و الشهداء من آل دانيال عبد الرحيم و عبد الحكيم و أحمد ، رحمهم الله .. وما زلت أذكر بالحنين ذلك الشاب الأسمرالنحيل الكريم ( محمد زعبوبة ) قتلته سرايا الدفاع

الإسماعيلية في حلب غير الإسماعيلية في مصر ، فالأولى تنتسب لإسماعيل باشا - الوالي العثماني الذي بنى قصره فيها ستينيات القرن التاسع عشر - و الثانية بناها الخديوي إسماعيل أثناء حفر قناة السويس . نصف سكان حلب عبروا هذا الحي و لمسوا أناقة عماراته و تناسقها الهندسي ، فهي تعبر عن خضرمة عهوده و تشبثه المستدام بالتجدد ، عبرته كثيرا جدا في باص سيف الدولة الذي يمر فيه ، قبل أن يدلف لحي الفيض و الملعب البلدي فالإذاعة و الكرة الأرضية حتى نهاية الخط .. وقد صحبت أبي مرة لدار ابن خاله محمد طالب الصباغ - أستاذ الرياضيات الذي تخرج من بريطانيا و بقي عزبا طيلة حياته - و كان شقيقه الأصغر ضابطا مجازا من خدمته في طرابلس بلبنان ، تحدث حينها عن طائفية الجيش و إهدار كرامة الجنود ! لكنهم قطعوا الوقت أكثر بالحديث عن أيام ( دار الأرقم ) في الجميلية المجاورة ، وفي معالجة و تشغيل أسطوانات الشيخ محمد رفعت و مصطفى إسماعيل ، سقى الله تلك الذكرى


تتوسط الإسماعيلية ثانوية المأمون أو التجهيز سابقا ، و مدرسة الأمين ، و مدرسة الوليد بن عبد الملك ذات الطراز القديم ، أسماء تنافرت تاريخيا لكنها تآلفت و تصالحت في هذه المنطقة ، تماما كتسامح مسلمي جامع زكي باشا مع رهبان مستشفى فريشو الشهير المجاور له . فلا صورة قاتمة هنا للتعصب و الكراهية


على الشرفة الجنوبية للحي ، نعوش متعايشة تطرد النعاس عن العيون المستفهمة ، إبراهيم هنانو و سعد الله الجابري و الجندي المجهول ، يسمعون الأذان الخالد من جامع عمر سالم ( الجد الثري للشهيد ) و على الطرف الشمالي للحي موقع المحكمة العسكرية
في 17 / 8 / 2011 م كان العبور الأول أمام بارليف الأسد ، و خرج أحرار و حرائر الإسماعيلية التي استمرت تطالع أوراق الغد دون ترديد لترانيم الملل ، سقط شهداء و جرحى و قذائف و ظلت ترمز للعبور ، العبور إلى .. الشراكة و الأخوة و التضامن الأهلي

ملحوظة / أناشد الجميع الدعاء بالشفاء لإمام جامع زكي باشا الشيخ أسعد قاطرجي ، والد الأخ الأستاذ الإعلامي محمد هدى قاطرجي

الجمعة، 14 سبتمبر 2012

الميسر حضارتنا

شهدت في الحرم المكي شبانا يحملون على أكتافهم المسنين من آبائهم و أمهاتهم ، يطوفون بهم البيت العتيق وسط الزحام . و يوم النار العظيمة التي اندلعت عقب قصف الطيران حي الميسر ، كان هناك رجل سبعيني مشرق الرأس و اللحية يركض في كل اتجاه ، ليطفئ السعير بسطله الصغير ! حدث هذا في 3 / 9 / 2012 م .. صورتان واقعيتان من منهلنا

كرم الميسر - بتشديد السين و هي كنية عائلية - قالت عنه جريدة الجماهير الرسمية عدد 12 / 6 / 2008 م أنه حي شعبي مهمل بلا مستوصف ولا هواتف ولا شرطة فيه ، تغمر شوارعه المياه الآسنة ، و مساحة مقر المختار فيه هي متر مربع واحد ، و بالتالي فإن أهله سيكتبون للمسؤولين !! لكن حي ( الميسر ) قرر أن لا يكتب الخواء و أن لا يثرثر ، و سكانه الخمسين ألفا لم يذهلهم هدير الحوامات و حمم الحكومة الوريثة ، و راحوا يتطلعون للسماء : يا الله ما لنا غيرك يا الله .. حزموا أمرهم و أقسموا على انتزاع ديونهم دفعة واحدة ، فإما حياة تسر الصديق و إما ممات يغيظ العدا / و نفس الشريف لها غايتان ورود المنايا و نيل المنى


تاريخ الميسر كروم التين و الزيتون و الفستق الأخضر المشوب بالحمرة ، كان في جوفه 17 كرما لا غير ، و حواليه كرم القاطرجي و كرم حومد و كرم الجزماتي ، و هو يمثل باترينة حلب و ثغرها الوضاح في جنوبي شرقها . الزحف العمراني غطى بهي الكروم ، لكنه لم يغطي ينابيع قصص المقهورين .. تفجرت ثورته مع بدايات ثورة 15 / 3 / 2011 م فردوا عليه بإطلاق ( شبيحة الحراسة ) تنهش لحمه و قلبه ، استمر فأطلقوا عليه براميل البارود كيفما اتفق . استخرج جثامين 13 طفلا من تحت الأنقاض بعد الفطر بأسبوعين ، و لم يستسلم .. ودع الكثير من صغاره ، الطفلة الشهيدة راما حجو - 8 سنوات - والطفلة عائشة حجو والطفل مصطفى حجو والطفلة فضيلة حجو ، الطفل أحمد العلاف و الطفل محمد العلوش و الطفل إبراهيم الخلف ، و عشرات عشرات الأطفال والشهداء . لم يعرفوا أن مدد الميسر ملائكة ينافحون عنه ، و أنه شريك لا يتجزأ من ثورة كل سورية على العربدة و الرعب


نعم ، ذلك السطل الصغير سيطفئ نارهم ، و شلالات الدم الطاهر البريء ستغرق كيدهم ، و نحيب الأمهات طبول الانتصار الساحق المقترب
كرم الميسر ، فضح سراق علي و الحسين و الحجر الأسود و كذبة الممانعة ، و سجل بحروف النور بطولات بنيه و سمو حضارته الحسناء التي لم يغلها .. المهر

هو حضارتنا التي تستيقظ ، تلوح بسيرته رسالة الحرية و إنسانية الإنسان ، و توحش الأسد

حلم الحمدانية

أيام الصبا كنا نتسكع غربي حي صلاح الدين ، في تلك البراري الرحيبة المهيبة .. ننقب عن جذور العرقسوس اللذيذ و أحيانا نجمع زهور البابونج الفواح ، الذي يغطي - في الربيع خاصة - أهداب ( حي الحمدانية ) قبيل إنشائه . كانت تنتشر هناك خيام البدو الرحل ، يبيعون اللبن و الحليب الطازج لجيرانهم القريبين . نمشي هناك و نلف حول الحفرة الكبيرة التي ستكون ملعبا عظيما في يوم ما ( استاد الحمدانية صممه البولندي كوش وافتتح جزئيا بعد 30 سنة بمساعدة تركيا ) كانت أحلامنا كمنمنمات الحكايا ، يلدن كل عجيبة

زعموا أن هذا الموقع سيكون سكنا للعسكريين فصار للمدنيين ، و كانت شققه بالمجان فصارت بالملايين ، و كانت حدوده صغيرة فتوسع لأقسام و مساحات . الأهم أنه لما استقر و نما عوده و رأى سيل البكاء و الدماء من أقاصي حوران و حمص و حماة ، قال : لااااااا
و يزعمون أيضا ( في قناة الميادين ) أنه حي موال اشتطت به الدار ، بينما تدعس مجنزراتهم و مدرعاتهم شوارعه العريضة . مئات القناصين يتفشون كالجرب في أسطحته و منائره ، و ألوف الأوباش يعبثون بجدائله و حقائبه ، و حدائقه


ليسوا بعنترة و ليس بالقنيطرة ، و سيرته المسك ليس بيد أحد تزويرها .. نحن على بعد آلاف الأميال عرفنا اسم الشهيدة وفاء العيسى وابنتها الشهيدة فاطمة و ابنها الشهيد إبراهيم ، و وصلت مواساتنا لآل الشهيد إبراهيم عبد الرحمن السلقيني ، و سجلنا جزعنا لاستشهاد طالب الحقوق ( حسن واصل ) الذي قتلوه صبرا في فرع المخابرات الجوية ، ولاستشهاد راجح العيسى ( فجروه داخل دكان رزقه ) و عبد الله لبنية ( رموا بجثمانه قرب بيته ) و أحمد أبو الخيل و محمود هناية وإحسان صادق و محمد الحسن و محمد سعودي و محمد نجمة و محمد ..... و


عرفنا أسماء مساجده : الفاروق و عثمان و الحسن و الكاساني و السيدة زينب ، و الرضوان ( بنته محسنة من آل رضوان ) من مظاهراته و إبائه تلحظ تمرده على المستعبد المستبد ، تشاهد أجساد شبابه تروسا لقيم الخير و الحق و الحرية ، يخترقها رصاصهم الذليل و لا يصل شغاف يقينها .. يقين الفجر البازغ الباسم ، القادم

مساكن هنانو

وصيتي لكم ، على الشباب العربي أن ينصر الحق و يكون عونا له ، و أي حق أعظم من حق الوطن على بنيه ؟ سواعد الشباب المفتولة هي التي تعمل في حقل الوطن كل عمل نافع .. هكذا تكلم الزعيم إبراهيم هنانو 1869 - 1935 م

الحي الذي حمل اسمه ، أنعش بنقوشه قلب الصمت و راح يرسم ذاته بمداد الدم . ارتدت حيطانه براعمها البيضاء و الحمراء المضادة للقطف ، لم يحتمل القاتل تفتحها فجن جنونه ، أطلق عليها براميل البارود و فوهات البنادق ! ردت عليه بإفساد نظريته المفسدة ، مزيدا من الصوت مزيدا من العصيان . تجمعت في جامع حمزة و جامع عثمان و جامع العباس ، عكرت صفو الظلم بهاماتها ولم تأبه بخناجره الصدئة ، أخذ ينتقم من الحدائق و المدارس و الطفولة


خاض إبراهيم هنانو 27 معركة لم ينهزم فيها ، و ( مساكن هنانو ) ما تزال تخوض في أطيان الشهادة ولم تنهزم . أول طفل قنصوه فيها عبد الجليل مردغاني ، و أول شهيدة بالمدفعية الثقيلة هي صباح العلي يوم 21 / 8 / 2012 م ، أيضا صباح العيدو و عائدة الخان و حليمة العبيد و أمينة داوود و أمل خلو كلهن استشهدن .. محمود عواد - متزوج و له ولدان - استشهد برصاصة في قلبه في 26 / 7 / 2012 م بينما كان يحاول إنقاذ طفل مصاب ، الشهداء باسل حمدون و باسل خليل و خليل مصطفى و مصطفى طبش و مصطفى النجار و رشيد بكور و خالد عثمان و عمار الوايلي و يحيى يونس و علاء ريحاوي و فاضل رمضان و غسان حج درويش و محمود تلدرافي و محمد محمود أيوب ، هم بعض ضحايا القاتل السكران


مساكن هنانو ، حي قريب العهد صادق العهد ، أول أحياء حلب من الشرق و أكبرها ، شمال الميسر و طريق الباب و جنوبي الحيدرية . بنته المؤسسة العامة للإسكان ، و إذ به صدى لجده البطل ورث منه الثورة و العاطفة و الحرية المعشوقة ، تماما مثلما ورث إبراهيم و شقيقته زكية هنانو الذهب الوفير و الأخلاق الرفيعة عن والدهما الثري سليمان آغا هنانو 


قبل شهر ، تكلمت بالهاتف مع خالتي في مساكن هنانو ، سمعت - للحظات - من زعيق القصف و القنابل ، مالا أذن سمعت !! المستعمر الفرنجي و المستخرب العربي الفارسي ، كلاهما يكرهك .. يا هنانو

المشارقة والنسيان

في أول أيام عيد الفطر الموافق 12 / 8 / 1980 م كنا في دار جدي بالكلاسة ، ومع أذان العصر سمعنا من بعيد زخات الرصاص كأنها جبهة حرب . تسللت للسطح مستطلعا ، رأيت من جهة سوق الهال انتشار عناصر الجيش و مركباته ( تذكرت للتو ما أخبرني به الحاج أحمد وليد لبان ، خياط حارتنا ، أن ابنته عندما شاهدت مدرعات الجيش سألته ببراءة : بابا هل هؤلاء الإسرائيلية ؟ ) تلك الليلة ذهبنا لبيت خال أبي الشيخ طالب صباغ ، و بدأت الأخبار تتوارد عن مجزرة مروعة في .. حي المشارقة

ليس تقليبا للمواجع ، لكنها رشفات من أرشيف الذاكرة التي لم تختم بالشمع الأحمر ، فنحن لم و لن ننتقم ولكن ( لن ننسى ) و عدالة السماء بالمرصاد ! المقدم هاشم معلا - منفذ المجزرة - هرم و خرف و انتحر ، و رئيسه العميد علي حيدر طرد من الخدمة و سجن لأنه انتقد فكرة التوريث


المشارقة في حلب ، حي يتنسم عطرا و مطرا ، يعود بناؤه للقرن الثامن عشر ، وهو يرابط في منطقة خصبة خارج سور باب الجنان - أحد الأبواب التسعة - و يضم حارات متعددة كالكتاب و العينين و جسر النهر ، لم يتبقى منها أكثر من العشر ، فالأسد الأب راح يقضمها شيئا فشيئا حتى وصل لمحاذاة بستان الزهرة ، واختلق ساحة أسماها باسمه و وضع فيها تمثاله الكبير


يقال أن نواة الحي أسر عروبية مهاجرة من المشرق ، و يقال أيضا أن مجازر داريا و الحولة و حوران و التريمسة و القبير وجبل الزاوية ، نسخ كربونية من مجزرة المشارقة الكبرى . تلك المجزرة حصدت قرابة المائة من أبناء الحي خلال دقائق ، كان منهم عوائل بأكملها ، كعائلة العرعور : الشهيد د . عبد الرزاق عرعور - أستاذ كلية الهندسة - و الحاج أحمد عرعور ( 75 سنة ) و الطفل بكري عرعور - لم تشفع له رجله المكسورة و جبار الجبس - و عبد القادر عرعور و عبد الفتاح عرعور و زهير عرعور و علي عرعور و غسان عرعور و حسان عرعور و كمال عرعور و محمد عرعور و محمود عرعور ابن أحمد و محمود عرعور ابن محمد .. قتلهم الأسد ولم يتشفى بانتصاره ، فبعد 5 أو 6 سنوات فتح عبيده القبر الجماعي في ( السنابلة ) و هي مقبرة مؤرخ حلب الشيخ محمد راغب الطباخ - المتوفى في 1950 م - و بقربه قبر جدي لأمي أحمد اسكندراني .. نبشوا الجثامين و طلبوا من أهاليهم نقلهم ، كلهم كانوا بملابس العيد !! لم يحتمل قصابهم لمحات ابتساماتهم الساخرة منه ، و لم يحتمل شميم عبيرهم


عرجت المشارقة إلى الخلود ، و خنجر المجرم ما يزال يغذ في قلبها .. قصفوا بالطيران و الأسلحة الثقيلة أطلالها في 10 / 8 / 2012 م ، قتلوا الطفلة البسامة ( راية فداوي ) أفديك أيتها الراية الغالية ، و دعسوا شقيقتها دعد و شقيقتها الأصغر ( تسنيم ) ذات السنوات الثمان ، أضرموا النار في لعبهن و أحلامهن و حقائب مدرستهن .. ظنوا أنهم سيقتلون الذاكرة ، و إذ بهم يقتلون النسيان


في اليوتيوب رأيت أن محال المشارقة غير المكممة ، لم تدفع فواتير الفراق ، و اشتركت على أوسع نطاق في إضراب 2 / 6 / 2012 م

شموخ الشعار !

حي الشعار ، يسبح في دمه ولا يغرق ! قدره و قراره أن يسقي شجرة الحرية من عرقه و عروقه ، و أن لا يتراجع . جامع ( نور الشهداء ) تعرض للمجازر مرات ، مرة في 20 / 7 و مرة في 5 / 8 / 2012 م و ما بعدهما ، و لم ينطفئ نور الشهادة و هيهات أن ينطفئ

جامع سد اللوز أيضا ، و مشافي البيان و دار الشفاء و الطبابة الميدانية ، و كأن الذين يقصفونه يريدون بعوارهم و معاولهم قتل أسباب الحياة ، و هيهات أن يستطيعوا .. في أحد فيديوهات 1 / 6 / 2012 م سيارة نصف نقل ، تتكدس فيها أجساد أطفال الشعار ، ذبحتهم - بكل براءتهم - قوات حفظ النظام أو قوات جيش الدفاع الإسرائيلي . و في 17 / 8 / 2012 م عائلة من 5 أفراد قضوا بطيران الميغ 21 ، هذه الطائرات لم تستقل بعد في سورية لأن لها مهمة ( تطهير ) الشعب من الشعب


قهوة الشعار - الاسم القديم للحي - تقع أواسط شرق مدينة حلب ، عند نهاية الخط الدائري الجنوبي جنوب كرم القاطرجي و شمال كرم الجبل ، فيها مرآب سيارات ( الباب ) و ( تادف ) و مئات العيادات الطبية ، و منها العيادة الليلية الحكومية . عرفتها من خلال حادثتين ، الأولى استشهاد الشيخ أحمد الفيصل ( تحت التعذيب ) في 11 / 8 / 1979 م ، و الثانية عندما كنا نسافر للباب مع والدتي و أختي الصغرى منار ، هناك أسرة صادقت جدتي و والدتي في أحد صيفيات ( دريكيش ) و صارت بينهم أقوى الأواصر ، كانوا يسكنون بجانب الشيخ حمزة الذي يكتب الحجابات و الرقى لقاصديه من حلب و أريافها . كانت ساحة الشعار مستديرة و واسعة لا تتثاءب ولا تدوخ فيها لأنها أقاصيص من الحكايات و المستجدات ، أناسها بسحناتهم السمراء و البيضاء طيبون طيبون ، يرحبون بزوارهم و يصحون مع عصافير الفجر و حركة الرزق

حي الشعار لم يعد يحتمل وجع الأحاسيس المذبوحة ، أعلن تمرده على الماضي الملطخ بالخديعة .. الشعار لا تموت حواسه مهما أثخنوه ، الشعار خزان حلب و كبرياء حلب و بساطة حلب . لقد خربت قهوة الشعار بوفاة صاحبها ، لكن اسم عائلة الشعار يجلجل في أخبار العالم . أراد ( الشبيحة ) سلخ جلود أبنائها و سحق آمالهم ، لكن لمعان الأمل تلحظه من عيون أبطالها و أحرارها ، يتظاهرون بعد الفجر و تحت المطر و وضح النهار


سلام عليكم ( أبطالنا ) سلام على شموخكم ، والله لقد رفعتم رؤوسنا التي طحنها الذل .. سلام عليكم إخوتي الشهداء : محمد العلوش و محمد العساني و محمد دعبول و محمد يوسف حسين و أحمد الشهابي - شهاب الجنة - و كامل عفس و ياسر هباش و علي مصري و محمود فتلون و كل الأطهار البررة ، ليتني كنت معكم شهيدا فأفوز فوزا عظيما

مظاهرات الأعظمية

أبهرتني مظاهرة ( الأعظمية ) في 8 / 6 / 2012 م ، كانت بعشرات الآلاف يتماوجون كالبحر و يهدرون كالرعد ! هي واحدة من مظاهرات و إضرابات و اعتصامات كثيرة شهدتها الأعظمية ، كما في 24 / 4 و 12 / 5 و 31 / 5 و 2 / 6 و 16 / 6 و 15 / 7 / 2012 م

الأعظمية ، الثورة و الأمسيات و الترتيل ، حي بلا تجاعيد . أبى إلا أن يكون أول مستقبلي الضيوف و العائدين من طريق الشام ، يخترقه شارع عريض يصل ما بين مدخل حلب و حي صلاح الدين ، فيه قصر الضيافة الرسمي و جامع طارق بن زياد و مدرسة الإباء العربي .. كنت في الصف الأول الإبتدائي و كان أخي فخر الدين في السادس ، بقي أياما يبكي ولا يأكل لأن أحد أصدقائه توفي جانب تلك المدرسة ، بعد أن سقط عليه عامود الإنارة . و سنة 1978 م ذهبت معه لبيت رفيقه أيمن علوان ، على أطراف الأعظمية - قبل انتقالهم إلى شارع كلية العلوم - كانا يعملان مجلة حائط لثانوية عبد الرحمن الكواكبي ، خططها لهما جد أيمن لأمه الأستاذ المبدع عبد الصمد كيالي ، رحمها الله كانا في نفس الصف و استشهدا معا في 17 / 2 / 1980 م


آخر مرة صليت العصر في جامع طارق ، كان الشهيد محمد محلول - الطويل القامة - يتوسط مجموعة من الأطفال في درس تحفيظ . و على مقربة من هناك رأيت الأخ الصوفي عبد الله سباهي ( شقيق الشهيد الشهم الدمث عبد الغني سباهي ) لم تكن وقتها الكثير من العمارات ، في إحداها كان يسكن الشهيد ياسر إدلبي - لاعب الكرة في فريق عباد الرحمن - كم كان يترنم بأبيات إقبال : ليس في الوقت فراغ فاعتزم / و املأ الدنيا بأعمال شريفة .... أنت نور الأرض تهدي أهلها / لن يرى غيرك في الأرض خليفة

الأعظمية اليوم تشتعل ، و هاهم أحرارها و حرائرها ينتصرون بكل إصرار لأطفال الحولة و أبرياء الحراك و أكابر سورية . لقد أقامت الدنيا في 24 / 6 / 2012 م لتعذيب و حرق شباب كلية الطب ، باسل أصلان و مصعب برد و حازم بطيخ . و على أرصفتها و هاماتها أسيلت دماء الحب و الشهادة ، استشهد عبد الفتاح حلاق ، و محمد محبك ، و باسل حازم ، و زكريا معراوي ، و معاذ لبابيدي ، و حسام أرمنازي ، و أحمد وفائي ، و محمد سفريني ، و ماهر العزاوي ، ومحمد المغراوي ، و غيره


و على إثر الإمام أبي حنيفة و أعظميته في رصافة بغداد ، مضت مظاهرات الأعظمية الأبية .. إمام أهل الرأي عذبوه و سجنوه و مات حرا ، و أهالي حي الأعظمية هنا أقسموا على إحياء الحرية ، بكل الثمن الخضيب

الى .. قاضي عسكر

أول جريمة في التاريخ أخ قتل أخاه ، و آخر جريمة نراها رئيس يقتل شعبه ! لا يمكنك عد الشهداء في الحي الحلبي ( قاضي عسكر ) الأصغر مساحة و الأكبر سماحة ، لأن مجازره متوالية و السفاح لا يرتوي . في 8 / 8 / 2012 م كانت مجزرة مروعة بجانب جامع آغاجق ، وفي 16 / 8 / 2012 م حصلت مجزرة المخبز الشهيرة ، وفي 19 / 8 / 2012 م انهارت إحدى العمارات - بسبب القصف - فوق رؤوس سكانها ، و في 24 / 8 / 2012 م مجزرة ( المقبرة ) التي قتلوا الأموات فيها ثانية ، ففي ( سورية الأسد ) لا أمان للإنسان حتى في قبره

على بعد أكيال قليلة شرقي قلعة حلب و بعيد محلة قارلق ، في أرض خصبة كانت مقرا لقضاء الألوية العثمانية ، و بالوسط من أحياء جب القبة و كرم القاطرجي و الشعار و ثكنة هنانو ، يوجد حي ( قاضي عسكر ) العصي على العصا .. في بواكير عمري و برفقة إخوتي ، ذهب بنا والدي - رحمه الله - أكثر من مرة إلى سوق الجمعة ، كان موقعه هناك و بمحاذاته تقع تربة الشيخ سعود ، زرنا فيها قبر شيخه الأثير ( محمد نجيب سراج الدين ) المتوفى سنة 1954 م ، كان أبي يحبه كثيرا و يعلق صورته في غرفة الضيوف . أيضا في قاضي عسكر ولد الشيخ الداعية عبد الله ناصح علوان عام 1928 م ، و دفن في ثراها الشيخ العلامة مفتي الشافعية أسعد عبه جي سنة 1973 م


في سن السابعة تقريبا صليت الجمعة مع أبي بجامع سليمان آغا ، كان الشيخ عبد الله سراج الدين - رحمة الله عليه - خطيبا له ، يقرأ حديثا نبويا واحدا أو أكثر ثم يختم بالدعاء ، ومن شاء الاستزادة يجلس للدرس بعد الصلاة ، إنها مئنة الفقه !! مع تفجر الثورة ضد الأسد الأب في الثمانينيات ، كانوا يكدسون الشهداء الذين يقتلونهم في ( مقبرة القطانة ) على أطراف الحي ، أخبرني بذلك عدد من الناس وقتئذ . و قد ذهبت مرة مع صديقي أنس لزيارة الشهيد وليد عطار و التعرف على مثواه ، رأينا الكثير من الحفر الجاهزة أو المردومة حديثا ، و على قرب المقبرة كانت هناك مدرسة كبيرة احتلتها سرية للوحدات الخاصة ، فغادرنا مسرعين


في أخبار حلب ، أن مظاهرات قاضي عسكر كانت في الليل و النهار ، وأن شهداء هذا الحي لا حصر لهم وأنهم - بإذن ربهم - أحياء يرزقون . قرأت من أسمائهم ، الشهيدة هيفاء أكتع ، و زينب الشواح ، و توفيق لبابيدي ، و عبد القادر حمدو ، و عبد القادر جبسة ، و عبد القادر حطاب ، و يوسف قطان ، و محمد ديب ، و أحمد مح ، و موسى العمر ، و حذيفة جرادة ، و زهير جرادة ، و خالد جودة ، و رجب جبريني ، و مصطفى خلوف ، و أحمد إدلبي ، و أحمد حبو ، و محمد نحاس . قرأت من أسماء أطفالهم ، الشهيدة آلاء مغربي و شقيقها محمد ، و محمد جبريني ، و محمد زهران

إلى فضيلة ( قاضي عسكر ) الحنفي : هل تعلمون أن في عقائد زرداشت الفارسي و بوذا الهندي و كونفوشيوس الصيني و لاوتسي الياباني ، ما يبيح الذبح هكذا ؟؟ تبسم طيفه قائلا : إذا الشعب يوما أراد الحياة / فلا بد أن يستجيب القدر

محطة بغداد

محطة بغداد ، هي حوزة الخطوط الحديدية السورية ، بناها العثمانيون في ( حلب ) سنة 1919 م بعد أن وضعت السفربلك أوزارها ، لتكون نقطة النقل لبغداد من الشام و المدينة المنورة

اليوم تعتبر من أكثر الأحياء تنوعا و عصرية .. جنوبا لا يفصلها عن ساحة سعد الله الجابري سوى ( الحديقة العامة ) التي كانت ملكا لنافع باشا الجابري ، أهداها له السلطان رشاد . و يحيطها من الشمال حي السريان ، و شارع الفيصل غربا و العزيزية شرقا ، و يتوسط استطالتها نهر قويق المتصابي


من أي أطراف الحديقة العامة لابد وأن يصافح ناظريك ، ذلك الجامع المهيب الرابض على غرة محطة بغداد ، إنه جامع عمر بن عبد العزيز - الخليفة الخامس - أو جامع الأستاذ الشيخ عبد الله ناصح علوان .. هذا الرجل الفذ أدهشني استقباله و ترحيبه بفتية صغار ، حين أخذني لزيارته إلى داره - جوار الجامع - الأخ الشهيد السعيد ( محمد أبو صالح ) أواخر السبعينيات ، فلم أعرف من كان أكثر تواضعا و توددا مع الناشئين منه ، ومن الأستاذ الرائع - محمد منلا غزيل - شاعر منبج المبرز . لقد رحل الشيخ د . عبد الله علوان بعد معاناة مريرة مع المرض ، و دفن في مكة المكرمة قرب السيدة أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - سنة 1987 م


محطة بغداد ، الحي الذي اقتطع من كبده عشرات الشهداء في الثمانينيات ، الشهيد سعد الدين علوان - بكر الشيخ - و الشهيد عزالدين علوان - ابن أخيه - و الشهيد لطفي مارديني و الشهيد عبد القادر نعساني و الشهيد عماد قصاص و الشهيد محمد السماني و غيره .. لم تسقط أحلامه في الهاوية ، و بقي يستشرف غده المشرق على حافة الحضور و الانتظار
في 16 / 6 / 2012 م استجاب و نفذ دعوات الإضراب العام ، و كان الرد مؤلما كالعادة .. إصابة العشرات و اعتقال العشرات و استشهاد الشاب خالد فتال


لا حدود للثورة في سورية ، طالما بقيت توسلات و مشاعر و أسئلة الناس ، تحت البسطار و الساطور

باب الحديد

من هنا يتنفس التاريخ مستقبله ، هو باب من الفولاذ الخالص بناه السلطان المملوكي قانصوه الغوري سنة 1059 ه ، ليكون القلعة المصغرة شمال القلعة الأم ! باب الحديد ، الطاقة الفواحة من الحارات و بينات الأسفار ، في قلبه قبو النجارين ، و الجبيلة ، و المستدامية ، و البياضة ، و الكلتاوية . و على أسواره بانقوسا ، و فرمليك ، و أغير ، وميسلون ، و سواها

كلنا سمع بمجزرة المخبز في أغير - ثالث أيام الفطر1433 - لكن هل من شهود لإحراق التتار المدرسة الأتابكية التي أنشأها شهاب الدين طغرلبك في 618 ه داخل الحي ؟ لقد أضحى التتار أثرا بعد عين و كذلك الأسد


في الشتاء تهطل الأمطار كثيرا و يغرورق الحي بالماء والطين ، و إذ بعروق الورد الأحمر تتفتق من بين خطوط بلاطه الحجري العتيق ، إنها اليوم تفوح برائحة الدم المسفوح من أهالي و أبناء باب الحديد .. مئات قضوا تحت الأنقاض و بين الحرائق و الخرائب والسواطير ، و آلاف ما زالوا يصنعون الحياة و الحراثة بطريقتهم ، نضالا و عنفوانا و صلابة و صبرا جميلا


ألا تذكرون مظاهرة 21 / 4 / 2011 م حين اعتقلوا فيها ، من النساء نجلاء جزماتي و نور جزماتي ، ومن الأطفال عمر نعال ، و ذلك الرجل ( المقعد ) عبد القادر قصير و عشرات غيرهم ؟ هؤلاء هم أجناد الحرية و أولاد باب الحديد
أسأل الشياب و الشباب : هل ثمة من حضر دروس الشيخ عبد الله سراج الدين - رحمه الله - في جامع بانقوسا بعد عصر الجمعة ؟
هل ثمة من زار أو رضع شيئا من معارف ( دار نهضة العلوم الشرعية ) التي أحياها الشيخ الإمام محمد أحمد النبهان عام 1964 م ، على أطلال المدرسة الكلتاوية و صاحبها الأمير طقتمر الكلتاوي ؟
هل ثمة شاد أو حاد على أفنان جامع أبي ذر ، جامع الدعوة و العلماء و الشهداء ؟ هذا الجامع كان ظئرا للبطولة و العلا سنة 1980 ه و ما قبلها ، تصافح جدرانه ذكريات المصطفين الأولين من آل البيانوني و الدباس و القصار و البابللي و الهيب و الكسحة و الاسكندراني و غيرهم و غيرهم من الذين أحبوا الخلود سريعا فاختارهم لجواره رب الخلود


إنه ليس بالحي العادي من بزغ منه فقيه العصر مصطفى الزرقا و محدث الأجيال عبد الفتاح أبو غدة و السياسي الكبير د. معروف الدواليبي ! كان يسكنه أيضا أستاذنا ( عبد الله عيسى السلامة ) شاعر عكاظ العرب .. إنه ليس بالحي العادي من كان يأوي إليه الداعية النقشبندي الشيخ ( أبو النصر خلف ) و من كان مهوى لطلبة العلم يقصدون كلتاويته النابضة و بيوتات مربيه في ( البياضة ) البيضاء ، و معهد فاضلته الشهيرة الآنسة ( مجيدة حداد ) ذات الفكر و الأثر


نهاية السبعينيات كنت أذهب إلى دار السلام للطباعة و النشر - على مشارف دوار الحديقة - حاملا على ظهري أشرطة أبي الجود ، و رأيت بأم العين جانبا من مظاهراته الصارخة ضد حكم الأسد الأب . ثم تعرفت على أحباء من أبنائه البررة ، كالشيخ البحاثة الأستاذ مجد مكي - مسؤول موقع الإسلام في سورية - و الشيخ الدكتور الإعلامي محمد بشير حداد ، و الشيخ الأريب سائد بكداش ، و المنشد الأصيل محمد مسفقة ( أبو راتب ) و شقيقه موسى


اليوم أحصي أبطاله جرحا جرحا ، فيضج فؤادي و تتزلزل فرائصي .. الشهيد عبد المعطي حاضري ، والشهيد قاسم عكورة ، و الشهيد سامر طفران ، و الشهيد عبد القادر حبو ، والشهيد بشير البيطار ، والشهيد محمود واكي ، و الشهيد حبيب برعدلي .. ما هذا و هل يمكن أن أعد نجوم السماء ؟
باب الحديد - في مدينة حلب - ليس حبرا سريا ، إنه بوابة الحكايات و مداد المروءات

الفردوس .. و الفراديس

أيام الطفولة كانت أمي تأخذني معها لزيارة خالها ( علي ) في حي الفردوس ، كان - رحمه الله - فكها و بشوشا و جميلا ، كساه الشيب من ألقه و وقاره . صورة الخال العجوز و شوارع الفردوس ببيوتاتها المتكاتفة و القرميدية ، أشبه بالحلم المسافر في الحقيقة .. تبين أنها حبلى بالوعود و البطولات الولود ! ففي 27 / 7 / 2012 م استشهد ( علي إدلبي ) حفيد ذلك الخال و سميه ، في قصف وحشي و عشوائي على الحي الثائر

يقول التاريخ أن حي الفردوس هو ( الفراديس ) موضع بحلب خارج باب المقام ، كان في القرن السادس من أعمر المناطق و أعظمها آثارا دينية ، كالمساجد و المدارس و الزوايا و الترب . و فيه إلى اليوم مدرسة الفردوس التراثية ، أوقفتها الأميرة ضيفة خاتون - المدفونة في قلعة حلب - زوج الملك الظاهر غازي سنة 633 ه ، و كذلك المدرسة الظاهرية و سواها . و كما أنه منتصف الواجهة الجنوبية لحلب على مشارف المزارع و التفرعات القديمة لنهر قويق ، فهو الوسط و الوسيط ما بين الماضي و الحاضر و المستقبل ، و رغم أنك تلحظ ملمس الزمن في جباه قاطنيه و في مسميات طرقه و معالمه - كجامع الحارث و مدرسة الوليد بن عبد الملك - إلا أن ثوابتهم و تطلعاتهم لا تساوم ، فهم يتمازجون في حياة السراء و الضراء تماما كتمازج دمائهم النازفة ينابيع و سواقي ، على بوابة الحرية الحمراء


الذين يريدون تدمير ( الفردوس ) اليوم ، يجهلون أنها اسم لأعلى الجنان ، و أنها حلم المؤمنين و مرتجى المتقين .. قتلوا العشرات من أطفال و نساء و أبناء الفردوس ، الطفل الشهيد محمد أحمد قبيسي ، و الطفل الشهيد عباس اسكيف ، و أطفال العبود و البرهوم ، و الشهيدة مريم قدور ، و الشهيدة زينة الميري ، و الشهيدة أسماء عبيد ، و الشهيدة عزيزة ديبو ، و الشهيد أحمد مسلماني ، و الشهيد محمد نور خوجة ، و الشهيد أحمد حوري ، و الشهيد عمر زنابيلي ، و الشهيد رامز زيتوني ، و الشهيد محمد ويس ، و الشهيد باسل قشقش ، و الشهيد مروان حمد ، و الشهيد ربيع سندة ، و الشهيد عمر عبيد ، و الشهيد عبد الرحمن كياع ، و الشهيد خالد عميري ، و الشهيد محمود درعوزي ، و الشهيد ياسر عساني ، و الشهيد عادل محجوب ، و الشهيد مصطفى جمعة ، و الشهيد يوسف علوش ، و الشهيد محمود درعوزي ، و شهداء آخرون و أحياء مخلدون .. و لكن لا تشعرون


دماء الفردوس و دماء السوريين لن تذهب سدى ، و قطرة واحدة منها بكل عائلتك يا بشار الباطنية ، و إن غدا لناظره قريب

سيف الدولة .. واشوقاه

هذا الحي اختلط بلحمي و عظمي ، فيه ولدت و درجت ، وكل ليلة غربة تحملني الأحلام إليه و كأنه مشيئة قلبي ، أقبل ذا الجدارا و ذا الجدارا ! لقد تفتحت مداركي فوق ثراه و شاهدت بعيون الطفولة شق شوارعه و تأسيس مرافقه : الحديقة الملتحفة بأشجار السرو ، و مبنى البريد ، و جامع آمنة بنت وهب ، والسوق التجاري ، و مدرسة الشهيد توفيق علبي .. إنه لحن حزين و جرح قديم ، و بطولات راحت تتجدد

اختير اسم ( سيف الدولة ) للمنطقة الناشئة على قمة جبل الأنصاري و المولودة من رحم حلب القديمة ، تيمنا بالأمير الحمداني الأشهر 303 - 356 ه و لتصير سريعا من أحلى الأحياء و أنقاها و أكثرها شبابية و شهدائية . التاريخ هنا لا يعيد نفسه ، فمن أيام الثمانينيات و حتى الآن تتجلى ملامح الأحرار و قيم القوة و رباط الخيل ، تتغذى من شريان الشهادة الذي لا ينضب


لا تغيب عني وجوه الشهداء الأولين و ضحكاتهم ، أحاول إحصاء أسمائهم و ذكرياتهم ، ما أكثرهم و ما أقلنا .. أشاهد اليوم يوتيوبات لجثامين أشبه بالعرسان ، شباب مثل الورد في عزه قطفتهم غدرا حراب الأسد . لم أتشرف بمعرفة أي منهم فقد ولد معظمهم ما بعد الثورة الأولى ، لكن بعض أسمائهم أعادتني لأسماء أثيرة : الشهيد عبد الغني كعكة و الشهيد محمد فتال و الشهيد أحمد البي و الشهيد محمود أبو صالح و الشهيد سامر الطويل و الشهيد محمد ناصيف والشهيد محمد وجيه وفائي و الشهيد عمر حبوش و الشهيد عبد السلام سلطان و الشهيدة سامية الشهابي و الشهيدة بيان حاج طالب - قتلت داخل بيتها - و الشهيد محمد أحمد عبد القادر و الشهيد عبد المجيد فتال و الشهيد حمدان كعكة ، و غيره و غيره . جريمتهم لدى مصاص الدماء أنهم قرعوا باب الحرية ، و اختاروا الخروج بمدد من روح الله ، بعد أن صبروا - على وعوده و أكاذيبه - صبر أيوب عليه السلام


من جامع النصر - آخر خط الباص - خرجت تظاهرات كثيرة ، هذا المسجد أشرف على بنائه الشيخ عاكف حبال - رحمه الله - وهو بجوار بيت الخطيب بيت الشهداء ، الأستاذ المربي عبد القادر وأولاده أنس و أيمن و ياسر ، كان أنس صاحب محل وراء الجامع الكبير اختطفه ( فتيان علي ) من بيته قبل زواجه بأيام قليلة . و على بعد مائة متر منه يقع جامع النور أو جامع الشيخ مجحم العنزي ، أول من خطب فيه الشيخ المحقق محمد عوامة ثم الشيخ صالح زمزوم . و من غربيه في الطرف الآخر تقع دارنا الحبيبة دار فخر الدين الشهيد ، و بذات الشارع منزل الشهيدين حسان صوان و شقيقه ، و بعده بخمسين مترا منزل الشهيدين البطلين رامز العيسى و شقيقه وائل - حصل مرة أن اقتحم سطح بيتنا كلب مسعور بحجم أسد أثار الذعرالشديد ، قال لي أخي رفعت : ليس لنا إلا رامز ، فلما جاء أخرجه بنصف دقيقة - و على استمرار شارع سيف الدولة الرئيسي تتناثر بيوت الشهداء مثل حبات اللؤلؤ ، رائد مهمندار ، محمد حلاق ، بشير خليلي ، جمال زغنون ، عبد الرحمن الطيب ، أيمن علوان ، لؤي تادفي ، آل مشمشان و آل حبيب و سواهم . و بالخلف من جامع التقوى بيت الشهيد الوديع سامح كيالي الذي تعرض للتعذيب الشديد و للفتنة ، إلى أن تم إعدامه في أحد الفروع الأمنية


منتصف سيف الدولة كان يسكن الأستاذ إبراهيم جلال زوج السيدة الداعية أمينة شيخة ووالد الشهيدين جلال و عبد الحكيم ، و بجواره الأستاذ د . فاروق البطل - أمين رابطة العلماء السوريين - و في بداية الحي مقابل ثانوية الكواكبي و دوار الكرة الأرضية منزل الأستاذ الأديب عبد الله الطنطاوي - حفظه الله - و كذلك كان يقطن فيه عندليب الإنشاد ( أبو دجانة ) و شيخ المنشدين ( أمين الترمذي ) و نجم فرقة الهدى ( حسام طحان ) .. إنها صور ذهنية حميمة و قبضة من تفاصيل خلابة ، تلمع مع أوار ما يحدث - اللحظة - في سيف الدولة و كل سورية


قبل أيام حدثني أحد جيراننا من هناك ، بأنهم لن يتراجعوا عن حقوقهم ، و أنهم لا يخافون الأسد . قال إن الفكرة الوحيدة لديهم باتت : الشعب يريد إسقاط النظام !! نحن معكم - أحبتنا - إلى .. يوم القيامة

المرجة الحلبية

ليس في ( منطقة المرجة ) بحلب ، مثل نصب التلغراف البرونزي الذي أبدعه أحد الفنانين الطليان ، وسط ساحة المرجة الدمشقية . ولم يهتف لها أحد بتلك الأهزوجة الجميلة : زينوا المرجة / و المرجة لنا .... شامنا فرجة / وهي مزينة . كما لم تدخل الحيز التنظيمي للمدينة ، و بقيت حيا شعبيا مهمشا و شبه عشوائي ، انتشر على مساحة كروم العنب و التين جنوب شرق حلب ، ظاهر باب النيرب مابين أحياء الميسر و الصالحين ، و بالقرب من المطار الدولي الذي لا يفصلها عنه سوى أكيال قليلة

إلا أن ( المرجة ) دخلت التاريخ بسواعد أبنائها و عزمات ثوارها ، فهي لم تكف مرة عن التظاهر و فتح الصناديق المحرمة ، رغم كل سواطير الشبيحة و بساطير العبودية . اختارت أن تتنفس حرية و حمية ، و أن يتضمخ ترابها من مسك الشهادة و أن يكون حصاها النجوم . قررت المرجة أن تجد الوقت لتكبر و تعلو، وأن يبح صوتها انتصارا لحوران و حمص و الزاوية ، و أن تكون في مقدمة الأحياء الحلبية الباحثة عن الذات و عن الجذور و عن صناعة الحياة


ينتمي سكان المرجة بمعظمهم لعشائر العساسنة ، الذين يتبعون قبيلة الدليم العربية المنتشرة في العراق ، و قد عمدت سلطة الفتنة لمحاولة شق تلك العشائر و شراء البعض منهم . بيد أن شهامة و وعي شبابها و أحرارها ، حالا دون نجاح كليشيهاتهم المعطوبة و المجربة ، و كان الرد ما يرون لا ما يسمعون .. دفعت بخيرة أبطالها في بيداء الشهادة ، فارتقى العشرات منهم خلال الشهور الماضية ، وقد مرت معي أسماء شهداء كثر ارتوت المرجة و دوارها بدمائهم الزكية ، منهم الشهيد حسين العساني ، و الشهيد عبد الله دعبول ، و الشهيد أحمد الجدعان ، و الشهيد حسن هيكل ، و الشهيد أنس العلي ، و الشهيد أحمد الجنيد ، و الشهيد محمد الحسن ، و الشهيد حسام أرمنازي ، والشهيد أحمد حسين ، و الشهيد محمد الحسن ، و الشهيد عبد الله محمد ، و الشهيد زين لبابيدي ، و الشهيد أحمد رمضان إبراهيم ، و الشهيد محمود درعوري ، و الشهيد أسامة الشاغل ، و الشهيد محمد حاج بكور ، و الشهيد و الشهيد و الشهيد .. لن ننساهم إنهم في قلوبنا ، في قلوبنا


سلام عليهم في الخالدين

ياسمين الفرقان

أول مرة سمعت قصيدة شوقي : ولد الهدى فالكائنات ضياء / و فم الزمان تبسم و ثناء ، كانت بإنشاد المبدع صبري مدلل و فرقته ، من ( جامع الفرقان ) في حفل المولد النبوي سنة 1396 ه تقريبا . هذا الجامع الجميل قصته تشبه ما روي عن المسجد الأموي الدمشقي ، عندما كان كنيسة فاشتراها الخليفة من بيت المال ، و حولها إلى جامع و حرم وسيع .. جامع الفرقان لم يكن كنيسة بل كان مرقصا و ناديا للعرق و القمار اسمه ( المونتانا ) يقع غربي حلب على ربوة عالية مابين الجامعة و كلية الأمريكان ، في الشارع الرئيسي الواصل لميدان الكرة الأرضية وما بعدها . اشتراه الموسر الحاج أحمد الصغير من ماله الصالح ، و جعله مسجدا و طهورا ، بشفاعة و توصية الشيخ الغيور  محمد النبهان - رحمهما الله - في مطلع السبعينيات الميلادية

يمتاز الجامع بحديقته الرحبة و عرائش الياسمين الأبيض ، و في مناسباته الرمضانية و غيرها كانوا يضعون السقيا و ألواح الثلج في أطشات مكشوفة ، فتتنزل عليها من فوق مئات الأزهار الفواحة و تستلقي على صفحة الماء ، ليشرب المصلون نميرا فراتا ولا أحلى

كان يخطب على منبره الشيخ أحمد حسون ( الذي أخلد إلى الأرض نسأل الله حسن الخاتمة ) و يؤذن الجمعة فيه أستاذ القدود حسن الحفار . و بعد العصر كان هناك درس وعظي للشيخ كامل السرميني ، و من المغرب للعشاء مولد و كلمة بإشراف الحاج التاجر الصدوق محمد باذنجكي ، قبل أن يكون مشروع جامع و مستشفى الرحمن
ابتدأ العمران حول المسجد مكونا حي الفرقان ، و كان يسكنه علامة حلب الشيخ عبد الله سراج الدين ، ومن ثم أضيف إليه  تجميل الفرقان  ليمتد غربا حتى الطريق الدائري أو المحلق ، و جنوبا إلى مشارف حلب الجديدة و المعهد العلمي .  و لأنه الحي المسكون بروح الفرقان تفجرت فيه ينابيع الثورة و الحقانية ، و خرجت من مساجده مئات التظاهرات المطالبة بالحرية و الآدمية ، و لترمي من أكتافها الآصار و الأغلال ومن قلوبها الخوف و الخنوع ! سقط في طرقاته عشرات الجرحى و الكثير من الشهداء ، فسمعنا عن الشهيد الطالب أنس سيمو و الشهيد ثائر خنكرلي و الشهيد مصعب الأحمد و الشهيد عبد الباسط حميدة و الشهيد مصطفى قاسم ، سلام و رحمة عليهم

حي الفرقان هو الحي الوحيد الذي بادر سكانه لتغيير أسماء شوارعهم ، إلى أسماء شهداء الثورة السورية .. أما الحسون فذهب منذ سنين طويلة محتلا منبر جامع الروضة ، لكن جامع الروضة بقي منتسبا لإمامه الأول الشيخ طاهر خير الله - دفين البقيع - و بقي الفرقان منتسبا لمدرسة التقوى و رسالة قباء

رحم الله من قال : ما كان لله فهو المتصل ، و ما كان لغيره فهو المنفصل .. و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل

المشهد .. و الشهادة

قبل 50 سنة لم يكن أحد يقطن حي ( المشهد ) في مدينة حلب ، سوى بعض المزارعين ضمن حقوله المتناثرة .. إنما و قبل ذلك في القرن السادس الهجري ، كان الملك الظاهر غياث الدين - نجل صلاح الدين الأيوبي - أنشأ مسجد المشهد في المكان الذي شهدت تربته وضع رأس ( الإمام الحسين ) و نزول قطرة دم منه ، أثناء نقله إلى يزيد في دمشق ، و ليضم أيضا بذات الرقعة قبر المحسن ابنه و كان جنينا سقط من بطن أمه ، كما هي الروايات المتواترة السنية و الشيعية
 
هذا المسجد أو المشهد يمثل سرة جبل الأنصاري غربي حلب ، و منه لأقصى الجنوب حتى العامرية و الراموسة ، يمتد حي المشهد متدثرا برداء الشهادة و سيرة السبط ، فيقدم مرة بعد مرة عشرات الشهداء في مواجهاته الحصرية مع الجوشن الجديد و أوباش الجهالة
 
و على طريق التضحية و المضاء نراه شارك بكل دعوات الإضراب في سوقه و متاجره ، و مثلما افتقد الشهيد هيثم ملا عثمان و الشهيد مأمون كردي و الشهيد عبد الله دباغ و الشهيد نادر كرزون و الشهيد وليد سعدو و والده و الشهيد هيثم حزاني و الشهيد عبد القادر ناصر - أبو ياسر - الفكه البسام و أحد أفراد فرقة أبي الجود ، و كثير غيرهم في الثمانينيات .. ها هو في هذه الثورة يندفع للمزيد فيعطي ولا يتردد ، يسقط فيه الشهيد زكريا اليوسف - اللاعب الكروي المعروف - و الشهيد محمد وتار و الشهيد محمد سفريني و الشهيد عز الدين فارس و الشهيد أحمد العمر و الشهيدة فاطمة الحمادة و الشهيدة هدى نادر و شقيقتها ولاء ، و الشهيد الطفل محمد نور أبو مريش - 10 سنوات - و شهداء قد لا نعرفهم لكن الله يعرفهم ، يتساقطون كل ساعة في ليل أو نهار
 
في إحدى حارات المشهد يقع جامع علي بن أبي طالب ، صليت فيه مرة خلف خطيبه المربي الأستاذ فاضل خير الله - ابن عم الشيخ طاهر خير الله يرحمه الله - و كان يتحدث عن صدقة السر التي تطفئ غضب الرب
اللهم اكشف الضيم عن حي المشهد و عن كل سورية .. يا رب
 

حي الإذاعة


بتاريخ 13 / 4 / 2012 م وأثناء تظاهرة تشييع الشهيد عبد الواحد هنداوي في حي الإذاعة ، أطلق عبيد الأسد قذائفهم على المدنيين ، فسقط 6 شهداء دفعة واحدة عرف منهم وقتئذ : الشهيد يوسف الحزواني ، و الشهيمنهل محمد ، و الشهيد فادي نجار ، و الشهيد محمد جعفر . و كذلك أصيب الطفل مصطفى علوش - 12 سنة - برصاصة في صدره ، و عندما شاهد والده المفجوع به قال له بكل البراءة : سامحني يوب

و كأن هذا الحي الحلبي الشهم عصي الدمع و عصي الانكسار ، فهو لا يتوخى التقية و المداراة ، و تضاريسه العجيبة أهم مؤشرات ذلك .. فهو يقع نهايات طريق الشام ( يمين نزلة الحريري ) و قبيل الوصول للملعب
البلدي و سكة القطار ، مابين سهل و ربوة و جبل شاهق تعلوه ( إذاعة حلب ) و تحيط حوله بيوتاته إحاطة السوار بالمعصم ! إنه لقاء الحرية و المستقبل و الشهادة والحلم - الحلم الذي كان يرقد على غصن منسي - و الأثير الحادي القادر على إنبات الأثر ، رغم تراكم الشهداء و استفحال الألم

إن ابن خلدون - العالم المجتمعي - يلح أن لا نفسر الحاضر دون الرجوع للماضي ، و ماضي ( حي الإذاعة ) حكاية الشهيد رائد مهمندار ، الذي قتله قناص مجرم نهاية 1979 م داخل حديقة المنطقة الممتدة بأشجارها و أزهارها حتى حدود ثانوية الكواكبي . تناثرت دماؤه الزكية على رقعة خضراء واسعة ، و امتزجت مع عبير و ألوان الورد الجوري .. راح أبوه - و كان من أهل اليسار - يوزع نسخا من القرآن الكريم على المساجد ،  وقد كتب على الصفحة الأولى من كل نسخة : أخي المسلم اقرأ الفاتحة على روح الشهيد رائد

منه أيضا تخرج الشهيد محمد أبو صالح - أبو الحسن - البطل في السباحة و المصارعة و الرماية ، و كذلك شقيقه الشهيد وليد ، و الشهيد هيثم حمامي ، والشهيد محمد محلول ، و الشهيد ياسين عرب سعيد ، و الشهيد جمال عقيل ( شقيق الأخ هيثم عقيل المقيم في نيوزيلندا و أحد أبطال مجموعة ال 17 التي هربت من سجن كفر سوسة في 1980 م ) و آخرون يرحمهم الله

إنها سطور حارة و لحظة حنين .. من كتاب الذاكرة الكهلة.

الزبدية .. حرة


لن تجد في حي ( الزبدية ) شارعا واحدا لا يرنو للثريا ، فهو في أواسط جبل الأنصاري مابين الكلاسة و سيف الدولة ، و تقابله في أفقه الشرقي قلعة حلب الشماء . في منتصف شارعه الرئيسي الصاعد منزل الأديب الكبير الأستاذ محمد الحسناوي - رحمه الله - و على مقربة منه جامع فاطمة الزهراء ، الذي سجلت فيه أشرطة ( البراعم المسلمة ) و أغاريدهم العذبة : يا ربي يا رب الفلق / يا مبدعا لما خلق .... من نورك الصبح انبثق / من بعد ظلمة الغسق . أنتجها لهم  الفنان الشاعر مروان قدري مكانسي - مؤذن المسجد - و يا لروعة ذلك المسجد الذي كان جديدا في سنة 1980 م ، و كان يخطب فيه الأستاذ الشيخ عبد الله سلقيني و عند انتهاء الصلاة كنا نردد جهرا مائة مرة ( حسبنا الله و نعم الوكيل ) عسى الله أن يفرج عن حلب كربتها.

في ( الزبدية ) و هي تسمية أسرية محدثة ، سقط شهداء كثر منهم الشهيد محمود عزيز - على بوابة منزل الشيخ الداعية مجاهد شعبان - و الشهيد الحيي البطل أحمد شوقي .. و فيه منزل الشهيد القبضاي ياسر غنام - نجل الأستاذ المربي صبري غنام - و منزل الشهيد حسام بصمه جي و شقيقه أحمد نور رحمهما الله تعالى
كنت ألاحظ عمارات الحي التي تنشأ ، و كان صديقي مؤمن غنام يحدثني عن حكاياتها الدافئة بكل ألفتها و غرابتها ، و لم أعجب أن كانت ( الزبدية ) التواقة للحرية تواقة أيضا لشهدائها الجدد .. السيدة سامية الشهابي ، وائل قباني ، مصطفى مصري ، و أسماء كثيرة

ظهرت الزبدية في وسائل الإعلام تحرر مخفرها من المفسدين في الأرض و المحاربين لله و عباده ، و ظهرت كذلك عند اقتحام منزل عضو مجلس الشعب الشبيح فواز دحو ، الذي أخرجت منه أكياس المخدرات و البودرة البيضاء و السوداء ، مما يؤشر لمستوى ممثلي الشعب لدى العصابة العائلية المتفرعنة

و .. لعل أجمل ما كتب على أحد جدرانها : الزبدية حرة

بستان القصر والنصر


أذكر خصوصا في ( بستان القصر ) عرس ابن عمتي و أخي من الرضاعة عبد العزيز ريحاوي ، الذي أخذ أسير و شهيدا في 1980 م و لعله يطأ الآن بعرجته الجنة مثل ابن الجموح . كانت أمه الصالحة تحيا على ذكراه ، تأتي للحج أو العمرة فتؤدي المناسك مرة لها و مرة له ، و تطوف بالبيت مرة عنها و مرة عنه ، حتى ماتت - بعد ربع قرن - كمدا و انتظارا لخبر عنه ! أبو صالح اعتقل من بيته على يد الفرقة الثالثة ، و ترك خلفه 3 أطفال آخرهم كانت جنينة في بطن أمها

يعتبر حي بستان القصر الواجهة الغربية لحلب القديمة ، ما بين الكلاسة و شط نهر قويق الشرقي ، و نهر قويق كما قال المعري : فقويق في أعين القوم بحر / و حصاة منه نظير ثبير ..  تمتاز تلك المنطقة بالخصب و الزرع و كثرة الحقول قبل أن تحل عليها لعنة البعث ، و لعل التسمية تعود لكونه متنزها لبعض أمراء الحمدانيين أو سواهم ، و قد اتسع جنوبا حتى لاصق حي الأنصاري الشرقي

اليوم و أنا أكتب هذه السطور ، استشهد فيه الشاب محمد أبو الخيل - 20 سنة - و هو بذلك ينضم لعشرات الشهداء المدنيين ، الذين قتلهم الأسد الابن عقابا لهم على رفع الصوت بعد أن صار بستان القصر ، من أشهر الأحياء المطالبة بالحرية في حلب الشهباء و خرجت منه مئات التظاهرات . لقد استشهد فيه أسامة قشقش و سامر بصال و محمد بودقة و محمد طاووت و أمير بركات و محمود حمامي و معاذ لبابيدي و محمد معراوي و كذلك 6 شهداء من آل قريع منهم الرضيع يوسف قريع ( سنة و نصف ) و غيرهم من سكان الحي الثائر

في جامع السكر كان يخطب الشيخ د . محمد رواس قلعجي - شافاه الله - وفي جامع بدر أقيمت الصلوات على الشهداء ، و من أمامه تصدى كوكبة من أبناء الدين لجحافل السرايا و الوحدات نهاية 1979م و استشهدوا جميعهم لتعيش قيم الحق و الحرية

أضحى بستان القصر المتنوع بسكانه و منتجاته و معامله و محلاته ، في سجل الخلد و الحياة .. أما خصومه فليسوا غير حفنة من أتباع بابك الخرمي و جماعة الحشاشين ، مستقرهم الأمثل مزبلة التاريخ
مهداة لشهيد بستان القصر محمد محمود كرام رحمه الله

الكلاسة .. وردة في كاسة


على مشارف باب قنسرين - أحد أبواب حلب التسعة - ما تزال أطلال تنور الكلس قائمة بجانب مقبرة الكليماتي التي تضم رفات الشيخ العارف الولي أحمد الحجار .. حي ( الكلاسة ) الثائر واحد من الأحياء القيمية الشهمة ، كان مع الثورة ضد الفرنسيين و مع الوحدة ضد الانفصال و مع الحرية ضد العبودية ، و على امتداده الزماني و المكاني المحدود فرض اسمه و وجوده قمة في العطاء و الغيرة و الفداء

ساحة الأحرار هي الأشهر فيه و في صدارتها جامع المصلى ، الذي كان شيخه الشهيد حسن الحاج إبراهيم يصدح على منبره بالحق و فصل الخطاب . و في الثمانينيات و رغم العدد الغفير من شهدائه البررة ، فقد استمرت في مساجده الدروس و حلقات القرآن  و لم ينقطع درس الشيخ عبد الوهاب سكر في جامع الهبراوي حتى وفاته في 1986 م رحمه الله 

لا تكاد تجد في ( حارة الكلاسة ) زاوية أو زقاقا لم يتضمخ بمسك الشهادة ، من الأطراف إلى المركز أمام المخفر القديم و نفحات منزل الشهيد عبد العليم صباغ - أبو طالب - الذي قضى تحت التعذيب نفخا بالهواء في فرع السريان ، و بذات الجوار منزل الشهيد البطل مروان قشري .. و من ثم منزل الشهيد د . أبو النصر ميرة - نجل الشيخ المحدث محمود ميرة - و كذلك منزل الشهيد أيمن عنجريني و شقيقه أنس ، و منزل الشهيد مصطفى الزاكري و صولا لمنزل الشهيد عبد الصمد الياقتي - نجل شيخ الكلاسة محمد الياقتي - و منزل الشهيد زهير سرحيل ، و مرورا ببيوت الشهداء من آل رسلان و صهريج و سنده و عيار إلخ إلخ

في شهر آذار 1980 م خرجت التظاهرات في الكلاسة و بدأ الأسد الأب بالقتل ، و ماتزال دماء الطفل الشهيد وحيد قاظان - ابن الفران - شاهدة على عمق المأساة من أمام ضريح الشيخ شهاب الدين . و في ثورة الشعب السوري اليوم خرج الناس عن بكرة أبيهم انتصارا لقيم الخير و الحق و الجمال ، و ليرحل - أيضا - عشرات الشهداء عشرات الشهداء

شيخان في الكلاسة اشتهر علمهما و أدبهما و تقواهما و برهما ، الشيخ الأستاذ عبد الرحمن كرام و الشيخ الأستاذ أحمد جاموس ، رحمهما الله تعالى . و لتبقى ( الكلاسة وردة في كاسة ) كما يتناقل الكلاسيون عن جمال عبد الناصر ، و لكنها كأسة الحرية و ليست كأسة الناصرية ولا الأسدية.

صرخة .. الصاخور


تشرق الشمس على حلب من حي ( الصاخور ) و تشرق الحرية أيضا من حي الصاخور .. هذا الحي الشعبي الشبابي البسيط  المسكون بالحب و الحياة ، و المتربع ما بين أحياء الحيدرية و هنانو و العرقوب ، يمثل طليعة الثورة و المحبرة و الذاكرة

الآن تنتشي تربته بأطهر الدماء ، عشرات الشهداء قدموا أرواحهم رخيصة في نشدان العلا ، منذ 15 / 3 / 2011 م و حتى اليوم . لكن ثمة موقعة كبيرة شهدها هذا الحي بتاريخ 17 / 2 / 1980 م عندما استشهد فيه ثمانية من فلذات أكباد حلب : الشيخ الشهيد محمد موفق سيرجية - الألمعي المفوه خطيب جامع عباد الرحمن - و الشهيد أيمن الخطيب ( أبو اليمن ) وهو من عائلة الشهادة حيث استشهد والده الأستاذ عبد القادر الخطيب و شقيقه أنس و شقيقه ياسر رحمهم الله جميعا . و كذلك استشهد في تلك الحادثة المجزرة الشهيد الملازم سامح آلا ، و الشهيد البطل باسل كسحة و الشهيد البطل فخر الدين زنجير - شقيقي الأكبر - و الشهيد البطل هيثم حزاني و الشهيد البطل أيمن نجاح علوان و الشهيد البطل مروان بيلوني الذي كان صاحب المنزل و نجت عائلته بأعجوبة

بعد ذلك تم اغتيال مختار الصاخور الذي ثبت تورطه في الإخبار عنهم ، و لكن دمه جف و صار شوكا يابسا .. بينما بقيت دماء الثمانية روحا و صمودا و قوس قزح ، أثمرت على أغصان الأزقة  و القلوب صرخة الخير و العزة و الانتصار.

تحية.. صلاح الدين


يقع حي ( صلاح الدين ) في الغرب الجنوبي لمدينة حلب الشهباء ، و هو يلاصق حي الحمدانية و ملعبها الدولي ، و كذلك حي الأعظمية شمالا و الراموسة جنوبا و سيف الدولة شرقا .. وسط حي صلاح الدين هناك جامع بلال بن رباح ، المتميز بقبته الخضراء الجميلة و بمئذنته الشبيهة بمآذن الحرم المكي ، و هو الجامع الذي كان يؤم فيه الشيخ الشهيد محمد خير زيتوني - رحمه الله - و يعتبر من أكثر المساجد حراكا دعويا نهاية السبعينيات ، فقد كان فيه درس منتظم للزيتوني و درس آخر للشيخ مجاهد شعبان و درس للسيدة الداعية مديحة الأول ، و كانت خطبة الجمعة للأستاذ حسن هاشم 

في حي صلاح الدين كان هناك بيت أستاذنا الشيخ محمد خير زيتوني ، و على مقربة منه بيت المهندس المنشد  محمد منذر سرميني ( أبو الجود ) و بيت شقيقه الشهيد حسان سرميني و الأخ الصالح ماجد سرميني . و كذلك يقع منزل الشهيد محمد نديم لولو و منزل الشهيد أسامة اسكندراني و منزل الشهيد محمد شامية و منزل الشهيد مازن عنبر - الذي استشهد في مظاهرة جامع الروضة - و كذلك يقع منزل الأستاذ أديب الجاجة - المراقب العام السابق للإخوان - و منزل الشهيد أحمد موسى ( وهو من عفرين ) و منزل الشهيد محمد أمين أصفر .. إنه حي يغص بالشهداء منذ الثمانينيات ، رغم أنه من الأحياء الحلبية الجديدة

قبل أيام استشهد فيه الشاب محمد حفار ( وهو ابن عمة زوجتي ) و منذ تحريره يشهد قصفا همجيا مجرما لا يوفر بشرا ولا شجرا ولا حجرا ، من أتباع ( الأفشين خيزر ) و مفتيهم ( البوطي ) الذي انسلخ عن آيات الله فأصبح كالحمار يحمل أسفارا
تحية لصلاح الدين و تحية للإعلامي البطل أحمد موفق زيدان.

شهداء الثورة السورية أقوال وأفعال
اعتلى المنبر في جمعة "رمضان النصر سيكتب في دمشق " وهو يحمل "الروسية " وخطب في الجموع في صلاح الدين .؟؟ !
 خطب في أهل حلب الكرام يومها ..؟ !
إنه أبو عامر - إبراهيم منافيخي .. 
الذي استشهد اليوم في حي صلاح الدين في الثانية عشر ظهراً .. 
استشهد أبو عامر .. وهو يدافع عن أرضه ووطنه .. 
... استشهد وترك لنا راية نحملها من بعده ، بعد أن أعطى للجميع درسا في الشجاعة والصبر والإقدام والتضحيه ..
رحمك الله يا أبا عامر .. رحمك الله يا بطل 
رابط الخطبة :